الخطاب الإلكتروني كدليل إثبات… هل رسائل «الواتساب» تُدين أمام القضاء؟

 الخطاب الإلكتروني كدليل إثبات… هل رسائل «الواتساب» تُدين أمام القضاء؟


بقلم: الأستاذ/ محمد سعفان المحامي بالنقض والمستشار القانوني، المتخصص في القضايا الجنائية والتشريعات الدستورية، وصاحب رؤية قانونية تحليلية حول علاقة النصوص القانونية بالتطبيق العملي وأثرها على الحقوق والحريات.

________________________________________

لم تعد المنازعات القانونية تُدار فقط بالمحررات الورقية أو التوقيعات التقليدية، بل انتقلت في جوهرها إلى الفضاء الرقمي، حيث أصبحت رسائل الهاتف وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها «واتساب»، جزءًا أصيلًا من التعاملات اليومية بين الأفراد والشركات.

وهنا يثور تساؤل قانوني بالغ الأهمية: هل تصلح رسائل الواتساب لأن تكون دليلًا للإدانة أو الإثبات أمام القضاء المصري؟

أولًا: الإطار القانوني للخطاب الإلكتروني:

أقرّ المشرّع المصري الحجية القانونية للكتابة الإلكترونية بموجب قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004، والذي ساوى بين المحرر الإلكتروني والمحرر التقليدي متى استوفى شروط السلامة الفنية وإمكانية نسبته إلى مُنشئه.

كما عزز قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 من الاعتراف بالأدلة الرقمية، وفتح الباب أمام استخدامها في الإثبات الجنائي والمدني، شريطة سلامة الدليل وعدم العبث به.

ثانيًا: متى تكون رسالة الواتساب دليلًا معتبرًا؟

لا تُقبل رسالة الواتساب كدليل تلقائي لمجرد وجودها، وإنما تخضع لعدة ضوابط، أهمها:

• إمكانية نسبة الرسالة إلى مُرسلها يقينًا.

• سلامة محتوى الرسالة من التعديل أو الاجتزاء.

• وجود صلة مباشرة بين الرسالة وموضوع النزاع.

• عرض الرسائل على جهة فنية مختصة عند الإنكار.

وعليه، فإن الرسائل قد ترقى إلى مرتبة الدليل إذا اطمأن القاضي إلى صدورها وصحتها، وقد تهبط إلى مجرد قرينة إذا شابها الشك.

ثالثًا: موقف القضاء المصري:

استقر قضاء محكمة النقض على أن الأدلة الإلكترونية تخضع لتقدير محكمة الموضوع، شأنها شأن سائر الأدلة، فلها أن تأخذ بها متى اطمأنت إلى صحتها، ولها أن تطرحها إذا ثار حولها الريبة.

وقد اتجهت بعض الأحكام الحديثة إلى اعتبار محادثات الواتساب قرينة قوية، خاصة إذا تعززت بأدلة أخرى، مثل:

• تقرير فني من جهة مختصة

• إقرار ضمني

• تطابق الرسائل مع وقائع ثابتة بالأوراق

رابعًا: بين الإثبات والإنكار… معركة فنية لا قانونية:

عند إنكار الرسائل، يتحول النزاع من كونه قانونيًا بحتًا إلى نزاع فني تقني، تُطرح فيه أسئلة من قبيل:

• هل الهاتف محل الضبط هو ذاته المستخدم في المحادثة؟

• هل الحساب مُسجّل باسم المتهم؟

• هل تعرّض الجهاز أو التطبيق للاختراق أو التلاعب؟

وهنا تلعب التقارير الفنية دورًا حاسمًا في ترجيح كفة الإثبات أو نفيه.

خامسًا: هل تكفي رسائل الواتساب وحدها للإدانة؟

الأصل أن الإدانة لا تُبنى على دليل واحد مشوب بالشك، لاسيما في القضايا الجنائية.

أما في الدعاوى المدنية والتجارية، فقد تكفي الرسائل إذا استوفت شروطها القانونية، واطمأن القاضي إلى صحتها، خاصة في مسائل الإقرار أو الاتفاقات البسيطة.

خاتمة

رسائل الواتساب ليست دليلًا مطلقًا ولا قرينة واهية، وإنما وسيلة إثبات حديثة تخضع لمعيار الثقة والاطمئنان القضائي.

والفيصل في قبولها أو رفضها لا يكمن في التكنولوجيا ذاتها، بل في سلامة الدليل وقدرته على إقناع القاضي بالحقيقة.

وفي عصر تتحول فيه الكلمات الرقمية إلى التزامات قانونية، يبقى الوعي بخطورة الخطاب الإلكتروني ضرورة لا غنى عنها.

Post a Comment

أحدث أقدم