أشتري عقار دلوقتي… ولا أستنى؟ رؤية تحليلية بقلم محمد بركات – خبير ومحلل الاستثمار العقاري


أشتري عقار دلوقتي… ولا أستنى؟

رؤية تحليلية بقلم محمد بركات – خبير ومحلل الاستثمار العقاري

في أحد مكاتب الشركات العقارية بالقاهرة الجديدة، جلس مستثمر في بداية الأربعينيات يقلب في إعلانات وحدات سكنية معروضة للبيع. لم يكن يسأل عن أطول فترة سداد، ولا عن أكبر خصم، ولا حتى عن اسم المطور، كان سؤاله واحدًا فقط وبنبرة مباشرة:

«الوحدة دي عقدها قبل ولا بعد 2023؟».

هذا السؤال، رغم بساطته الظاهرية، يعكس بوضوح طريقة تفكير شريحة كبيرة من المتعاملين مع الاستثمار العقاري في مصر خلال المرحلة الحالية، وهي شريحة باتت أكثر وعيًا بالتوقيت، وأقل اندفاعًا خلف العناوين التسويقية، وأكثر بحثًا عن القيمة الحقيقية مقابل السعر.

من واقع متابعة السوق، كما يوضح محمد بركات، خبير ومحلل الاستثمار العقاري، فإن السوق العقاري لا يمر بحالة ركود كما يردد البعض، لكنه يعيش حالة عدم توازن بين الطلب الحقيقي والمعروض المتاح. فبينما تُظهر المؤشرات السلوكية على منصات مثل دوبيزل وبروبرتي فايندر وعقار ماب زيادة ملحوظة في معدلات البحث عن وحدات الريسيل، يظل المعروض الجاهز للسكن محدودًا، خاصة في المناطق التي دخلت حيز التشغيل الفعلي وبدأت تشهد طلب استخدام حقيقي.

هذا الخلل خلق ضغطًا واضحًا على سوق الريسيل مقارنة بالمشروعات الجديدة، لا سيما في ظل القفزات السعرية المتسارعة التي شهدتها بعض المشروعات خلال فترة قصيرة، وبوتيرة سبقت قدرة السوق على توليد طلب فعلي بنفس المعدل. ومع ارتفاع أسعار الفائدة وتزايد الضغوط المعيشية، فضّل كثير من المشترين الترقب وإعادة الحسابات بدل الدخول في التزامات طويلة الأجل دون وضوح كامل للرؤية.

ويرى محمد بركات، الذي يمتلك خبرة تتجاوز 13 عامًا في تحليل اتجاهات السوق العقاري، أن هذا المشهد أعاد تشكيل أولويات المشتري، حيث بات الميل واضحًا نحو الوحدات الجاهزة أو شبه الجاهزة، بحثًا عن تقليل المخاطر ووضوح التقييم، بدلًا من الاعتماد الكامل على وعود مستقبلية مرتبطة بمواعيد تسليم طويلة ومتغيرة.

هذا التحول في السلوك يفسر لماذا أصبح الريسيل خيارًا مفضلًا لدى شريحة كبيرة من العملاء في المرحلة الراهنة. فالطلب الحالي لم يعد طلب مضاربة أو سعيًا وراء مكاسب سريعة، بل طلب استخدام حقيقي، يبحث فيه المشتري عن سكن فوري، وسعر يمكن تبريره، ومنطقة مأهولة، وتكلفة تشغيل واضحة دون مفاجآت لاحقة. وهو ما يمنح وحدات الريسيل، خاصة في مناطق مثل القاهرة الجديدة، أفضلية نسبية نتيجة اكتمال الخدمات واستقرار الحياة اليومية بها.

ومن خلال تحليل حركة الاستثمار، يلاحظ محمد بركات أن الوحدات التي تم التعاقد عليها قبل عام 2023 تحظى اليوم باهتمام متزايد، ليس لقدمها، بل لأنها تعكس مرحلة تسعير أكثر واقعية مقارنة بالمستويات الحالية، إلى جانب دخول عدد كبير منها حيز الاستخدام الفعلي أو قرب تسليمها، وهو ما يمنح المشتري مرونة أعلى في إعادة البيع أو التأجير وسهولة أكبر في اتخاذ القرار.

وبالتوازي مع ذلك، يؤكد محمد بركات أن الشراء من المطورين العقاريين لا يزال خيارًا قائمًا ومهمًا لشريحة واسعة من العملاء، خاصة من لا يمتلكون مقدمات مرتفعة ويحتاجون إلى فترات سداد أطول، أو يستهدفون مناطق جديدة واعدة في بداياتها السعرية. إلا أن هذا النوع من القرارات يتطلب قدرًا أعلى من الدقة والحذر في اختيار المشروع والمطور والموقع، وهو ملف يحتاج إلى نقاش وتحليل أوسع سيتم التطرق إليه في منشورات لاحقة.

في النهاية، يظل العقار في مصر أحد أهم الأصول القادرة على حفظ القيمة على المدى المتوسط والطويل، لكن كما يخلص محمد بركات، خبير ومحلل السوق العقاري، فإن النجاح في الاستثمار العقاري اليوم لم يعد مرتبطًا بسرعة القرار أو الاندفاع خلف العروض، بقدر ما أصبح معتمدًا على الفهم العميق لطبيعة السوق، وحسن اختيار التوقيت، والتمييز بين الطلب الحقيقي وما يُعرض نظريًا.

نحن لا نعيش مرحلة انهيار، بل نمر بمرحلة تصحيح مسار، يصبح فيها الوعي الاستثماري هو الفارق الحقيقي بين قرار ناجح… وآخر مؤجل

Post a Comment

أحدث أقدم