الذكاء الاصطناعي في البنوك المصرية… من التشغيل الآلي إلى القرار الذكي
بقلم: د. إبراهيم وحيد شحاتة
مدير تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة | استشاري التمويل المستدام | مُدرّب معتمد للتنمية المستدامة
في ظل التسارع الرقمي غير المسبوق، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) العمود الفقري للبنوك الحديثة، ليس فقط لتحسين الكفاءة التشغيلية، بل لخلق بنوك تفكر وتتعلم وتتخذ القرار في لحظة.
وفي السوق المصري، تتكامل هذه الثورة مع التطور التنظيمي والتقني الذي يقوده البنك المركزي المصري عبر مبادرات الهوية الرقمية والحوكمة المصرفية والابتكار المالي.
الذكاء الاصطناعي: من المفهوم إلى التطبيق
الذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي هو استخدام أنظمة تتعلم من البيانات لتقديم قرارات أو توصيات ذكية.
تشمل أبرز تطبيقاته:
• التعلم الآلي (Machine Learning) لتقدير الجدارة الائتمانية والتنبؤ بالتعثر.
• تحليل البيانات التنبؤي (Predictive Analytics) لتحديد فرص التمويل والاستثمار.
• معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتقديم خدمة عملاء فورية عبر روبوتات المحادثة.
• الأتمتة الروبوتية (RPA) لتنفيذ آلاف العمليات المكتبية دون تدخل بشري.
• اكتشاف الاحتيال الذكي عبر تحليل الأنماط اللحظية للمعاملات
البيانات… الوقود الجديد للقطاع المصرفي
نجاح الذكاء الاصطناعي يعتمد على وفرة البيانات ودقتها.
ومع توسّع شبكات الدفع اللحظي (IPN) ونظام الفواتير الإلكترونية، تمتلك مصر اليوم كنزًا من البيانات التشغيلية القابلة للتحليل.
لكنّ العنصر الأهم هو تطبيق “هوية” الذي أطلقه البنك المركزي كمنصة تحقق رقمية بيومترية موثوقة، تُسهّل عمليات التعريف (eKYC) وتضمن مصداقية البيانات التي تُغذي النماذج الذكية.
فبفضل «هوية»، يمكن للبنوك تطوير خوارزميات تعتمد على بيانات حقيقية متصلة بسلوك العميل الفعلي، لا على أوراق تقليدية أو تقديرات ذاتية.
تجارب عالمية وإقليمية
• في سنغافورة، يستخدم بنك DBS الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات العملاء وتقليل التعثر بنسبة 20%.
• في الولايات المتحدة، طوّر بنك JPMorgan منصة COIN التي تراجع آلاف العقود في ثوانٍ بدلًا من أيام.
• في الإمارات والسعودية، تم إطلاق مساعدين افتراضيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لخدمة ملايين العملاء.
في مصر، بدأت بعض البنوك الكبرى — مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر والبنك التجاري الدولي (CIB) — في تطبيق نماذج تحليل ائتماني وتوصية استثمارية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بالتوازي مع برامج تطوير الكوادر في مجال تحليل البيانات.
خارطة طريق للبنوك المصرية
1. تجميع قواعد البيانات في منصات موحدة (Data Lake) لتسهيل التحليل.
2. إدماج “هوية” في كل مراحل دورة العميل من التسجيل حتى منح القرض.
3. إطلاق مشاريع تجريبية قصيرة الأجل: روبوتات خدمة العملاء، اكتشاف الاحتيال، تحليل الائتمان للمشروعات الصغيرة.
4. حوكمة الذكاء الاصطناعي عبر سياسات شفافية ومراقبة الأداء.
5. تدريب الكفاءات المحلية في مجالات علم البيانات والتعلم الآلي بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحث.
التحديات والمسؤوليه
التحدي الأكبر أمام البنوك المصرية هو تحويل الذكاء الاصطناعي من مشروع تقني إلى ثقافة مؤسسية.
كما يتطلب نجاح التجربة التزامًا صارمًا بالشفافية، واحترام الخصوصية، وضمان العدالة في قرارات النماذج.
ومع وجود «هوية» كطبقة تحقق رقمية، تتوفر الأسس اللازمة لتحقيق هذا التوازن بين الأتمتة والثقة.
الخلاصة
الذكاء الاصطناعي ليس مستقبل البنوك المصرية فحسب، بل حاضرها القريب.
إنه الأداة التي ستحوّل البنوك من مؤسسات تراقب إلى مؤسسات تتوقع وتبادر وتقرر.
ومع بنية رقمية ناضجة وإرادة تنظيمية واضحة، يمكن لمصر أن تقود المنطقة نحو نموذج جديد من الذكاء المالي يجعل العميل في قلب القرار، لا على هامشه.

إرسال تعليق