في زمنٍ تتسارع فيه الضغوط وتضيق فيه المساحات الآمنة، يتسلل الإدمان إلى حياة الإنسان بصمت، لا يفرق بين مادة تُستهلك أو سلوك يُمارس. الإعلامية مارڤل مجدي عبد الكريم، تكتب فى هذا المقال ملفًا حساسًا يمس كل بيت، وكل فرد، وكل لحظة ضعف قد تتحول إلى أزمة. الإدمان لم يعد حكرًا على المخدرات، بل أصبح يتخذ أشكالًا متعددة، تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية، وتُهدد التوازن النفسي والاجتماعي للفرد. وفي قلب هذه الظاهرة، تقف الأسرة إما كخط دفاع أول... أو كبيئة خصبة لانهيار الصمود.
الإدمان... مرض العصر الذي لا يفرق بين مادة وسلوك
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتزداد فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، أصبح الإدمان أحد أخطر الظواهر التي تهدد الإنسان، ليس فقط من خلال تعاطي المواد المخدرة، بل أيضًا عبر سلوكيات يومية قد تتحول إلى اعتمادية مرضية.
الإدمان أكثر من مجرد تعاطي
الإدمان هو حالة من الاعتماد النفسي والجسدي على مادة أو سلوك، تجعل الفرد غير قادر على التوقف رغم معرفته بالأضرار. لكنه لا يبدأ فجأة، بل يتسلل تدريجيًا، وغالبًا ما يجد بيئة خصبة في البيت المضطرب أو الأسرة الغائبة.
بحسب دراسات نفسية وتقارير علاجية هناك عدة عوامل أسرية قد تدفع الأبناء نحو الإدمان:
الإهمال العاطفي: غياب الحوار، وعدم الاهتمام بمشاعر الأبناء، يخلق فراغًا يبحثون عن ملئه بأي وسيلة.
التدليل الزائد: الحماية المفرطة وعدم تحميل الأبناء مسؤولية، تجعلهم غير قادرين على مواجهة الحياة، فيلجأون للهروب.
غياب القدوة: حين يرى الطفل أحد الوالدين يتعاطى أو يبرر السلوك المدمر، يصبح الأمر طبيعيًا في نظره.
هل يمكن للأسرة أن تكون خط الدفاع الأول؟
نعم، وبقوة. الأسرة الواعية تستطيع أن تحمي أبناءها من الإدمان من خلال:
التواصل المفتوح: الاستماع للأبناء دون حكم أو سخرية.
الاحتواء النفسي: خلق بيئة آمنة يشعر فيها الطفل بالحب والدعم.
التوعية المبكرة: شرح مخاطر الإدمان بأسلوب يناسب عمر الطفل.
المراقبة الذكية: متابعة الأصدقاء والسلوك دون تجسس أو قمع.
تشجيع الأنشطة البديلة: مثل الرياضة، الفنون، والهوايات التي تملأ وقت الفراغ وتبني الثقة بالنفس.
الإدمان لا يبدأ من أول سيجارة أو أول حبة، بل من أول لحظة يشعر فيها الإنسان أنه وحيد، غير مفهوم، أو غير قادر على مواجهة الحياة. والأسرة ليست فقط مكانًا للسكن، بل هي الحصن الأول ضد الانهيار. فإما أن تكون جدار حماية، أو ثغرة يدخل منها الخطر. وبين الألم والأمل، يبقى دور الأهل هو الأهم... لأن الوقاية تبدأ من البيت.
الإدمان ليس لحظة سقوط، بل سلسلة من الغياب: غياب الحوار، غياب الاحتواء، وغياب الفهم.
ومن خلال هذا المقال، أؤمن أن الوقاية لا تبدأ في العيادات، بل في البيت
الأسرة ليست فقط جدارًا يحمي، بل مرآة تعكس ما إذا كان الطفل يرى نفسه جديرًا بالحياة أم لا. وبين الألم الذي يخلّفه الإدمان، والأمل الذي تمنحه الوقاية، يبقى دور الأهل هو الأهم، لأنهم وحدهم القادرون على كسر دائرة الاعتمادية قبل أن تبدأ. بقلم: الإعلامية مارڤل مجدي عبد الكريم

إرسال تعليق