حوار : ماجدة الفيومي
تقول سعاد في حوارنا معها:
"التراث مش مجرد فلكلور أو رقصة شعبية، ده هوية متكاملة، ولسان حال الشعوب. لكن المشكلة إن المجتمعات بتتغير بسرعة، والإعلام التقليدي اختفى تقريبًا من الساحة، وساب وراه فجوة خطيرة في حفظ الذاكرة الثقافية."
من هنا تنبع أهمية الإعلام الرقمي، الذي تصفه سعاد بأنه "المتحف المفتوح"، لأن أي هاتف ذكي يمكنه الآن أن يوثق رقصة نادرة، وصفة طعام مندثرة، أو حتى أغنية كانت تتوارث شفهيًا.
وترى أن المنصات مثل يوتيوب، تيك توك، إنستغرام، أصبحت أدوات ثقافية بامتياز، إذا استُخدمت بوعي، فهي قادرة على إيصال صوت الشعوب للعالم، في ثوانٍ، وبلا وسيط.
■ لماذا يختفي الإعلام التقليدي؟ ومن يملأ الفراغ؟
ترى سعاد أن الإعلام التقليدي، وخاصة في البلدان النامية، لم يعد قادرًا على مواكبة الواقع. البث الفضائي فقد تأثيره أمام المحتوى الرقمي الشخصي، والمنصات التفاعلية التي تسمح للجمهور بالمشاركة لا المشاهدة فقط.
"المشكلة إن المؤسسات الثقافية والإعلامية الكبرى لسه بتفكر بعقلية التسعينات، في حين إن جيل اليوم عايز يشوف محتوى متجدد، تفاعلي، مصوّر، ممكن يشاركه ويوصله بسهولة."
وهنا يصبح الإعلام الرقمي ليس فقط بديلًا، بل ضرورة لإنقاذ التراث، وتحويله من مجرد أرشيف صامت إلى حالة حية، نابضة.
■ التراث الإفريقي... ثروة لا تقدر بثمن
واحدة من أهم محاور بحث سعاد هو التركيز على التراث الإفريقي، والذي تصفه بأنه "من أغنى وأعمق وأجمل تراثات العالم، لكنه أيضًا من أكثرها عُرضة للنسيان والتهميش".
تقول:
"القارة الإفريقية فيها آلاف اللغات، الفنون، الأساطير، الطقوس، الحِرف، وكلها محتاجة توثيق سريع قبل أن تندثر. والمفارقة أن معظم العالم يعرف عن إفريقيا ما تُنتجه السينما الغربية، مش ما يقوله الأفارقة عن نفسهم!"
من هنا، ترى سعاد أن للإعلام الرقمي دورًا أخلاقيًا وإنسانيًا في رد الاعتبار للتراث الإفريقي، من خلال منصات توثق، تنشر، وتعيد رواية التاريخ بعيون أهله.
■ السياحة والتراث... عندما تصبح الكاميرا أداة جذب
جانب آخر تهتم به سعاد في دراستها هو كيف يمكن للإعلام الرقمي أن يكون أداة قوية في ترويج السياحة الثقافية، عبر حملات دعائية رقمية تعتمد على الرواية البصرية، لا الكتيّبات الجامدة.
"تخيل كاميرا بتصور مشهد في سوق شعبي في أسوان، أو طفلة بتغني اغنية نوبية، أو ست بتعلّم بنتها نسج النول في المغرب... ده محتوى أقوى من ألف إعلان مدفوع."
الحملات السياحية التقليدية لم تعد تجذب جمهورًا متطلبًا وسريعًا، أما المحتوى الرقمي الصادق والعفوي، فيفتح شهيّة المشاهد لاكتشاف الأماكن بعيون أهلها.
■ من البحث إلى الفعل: مشاريع ميدانية تنتظر التنفيذ
لا تتوقف سعاد عند حدود البحث الأكاديمي، بل تطمح لتحويل نتائج دراستها إلى مشاريع ميدانية، مثل:
إطلاق مبادرة توثيق رقمي للتراث غير المادي في قرى مصر.
التعاون مع صُنّاع المحتوى المحليين لتدريبهم على استخدام الهواتف لتوثيق حكايات الأجداد.
إنتاج سلسلة أفلام وثائقية قصيرة موجهة للمنصات الرقمية.
إطلاق هاشتاغات رقمية للتعريف بتراث إفريقيا من أهلها.
■ كلمة أخيرة
"الإعلام مش بس سلطة رابعة... الإعلام بقى جسر حياة بيننا وبين ذاكرتنا. لو معرفناش نوثق ونشارك تراثنا، هنصحى يوم ونلاقي إننا بقينا غرباء عن نفسنا."
في زمن اللايقين، تبقى الكاميرا بيد باحثة مثل سعاد خفاجي أملًا صادقًا، أن نُمسك بخيوط الماضي، لنحكيها بوسائل الحاضر، ونورّثها للغد... لا ورقيًا فقط، بل بصوت وصورة وشغف.


إرسال تعليق